قال: نعم.. لقد شرفني الله، فالتقيت ببعضهم.. وسيكون حديثنا عنه
اليوم، كما كان حديثنا في الرحلة السابقة عن الوارث.
***
اعتدل الغريب في جلسته وحمد الله وصلى وسلم على نبيه a مستغرقا في كل ذلك، ثم قال: بعد أن رأيت
ما رأيت، وسمعت ما سمعت من حديث الوارث مما كنت قد ذكرته لك في رحلتي السابقة..
وبعد أن آنس مني قومي من الصدق والإخلاص والثبات ما أنسوا.. ترقيت في السلم الذي
كنت أحلم به إلى درجات عالية لم أكن أتصورها، ولا أطمح لها.
وقد تثاقلت ـ بسبب تلك الكراسي الرفيعة، وما توفره من رغد عيش ـ إلى
الدنيا مدة من الزمن إلى أن جاء ذلك اليوم العظيم الذي التقيت فيه الهادي الذي
هداني الله به إلى النبي الهادي..
في ذلك اليوم كنت في أواسط إفريقيا في جولة هي أقرب إلى الجولة
السياحية منها إلى الجولة التبشيرية.. كنت حينها أسير بسيارتي الفخمة ذات العجلات
القوية مخترقا غاباتها العذراء، غير مبال بأي خطر قد ألقاه في طريقي، لأن ما زودت
به السيارة من وسائل الأمان يكفي لحمايتها وصد أي خطر عنها أو عني.
ولكن الله شاء في ذلك اليوم أن أتعرض لخطر ربما لم أتعرض لمثله في
حياتي..
لقد اصطدمت سيارتي بشيء لا أزال إلى الآن أجهله.. ربما يكون شيئا من
الغيب، وربما يكون من الشهادة.. المهم أني إلى الآن لم أعرف ما هو.. لم أعرف إلا
أنه أصاب سيارتي بما جعلها لا تطيق السير خطوة واحدة.. وقد أصابني ذلك بهلع شديد،
فقد كنت في أدغال الغابات، وليس بين يدي إلا الحيوانات المفترسة.. والتقدم في تلك
الغابة خطوة واحدة ليس له إلا معنى واحد هو الموت المؤكد.. فلم يخرج من تلك
الغابات أحد من الناس سالما.
في ذلك المحل الذي كان برزخا بين الموت والحياة، وبين الدنيا والآخرة..
وصرت