قال: هذا هو الأعم الغالب.. فأكثر أفراد
الرعية لا سلطان لبعضهم على غيره.
قلت: فكيف يتم الإنكار باليد هنا؟
قال: ليس لذلك إلا سبيل واحد.
قلت: ما هو؟
قال: إذا كان الحاكم عادلا، وناصحا،
ومهتما بشأن رعيته، أو فوض من يقوم بذلك، فإن على المؤمن أن يسعى إلى هؤلاء طالبا
منهم أن يقوموا بتغيير المنكر بما أوتوا من وسائل الحزم.
قلت: فإن لم يكن.
قال: لم يبق حينها إلا الجهاد باللسان..
فلا يحق لمسلم أن ينشر الفتنة بتغيير المنكر بيده.. إنه بذلك يغير منكرا واحدا،
ويحيي مناكر كثيرة.
قلت: الجهاد باللسان مع الحاكم المقصر،
أم مع المحكوم؟
قال: مع كليهما.. فكلاهما في منكر.. أما
الحاكم فبسكوته، وأما المحكوم فبفعله.
نظرت، فرأيت مكتوبا في الحالة الرابعة:(أن
يكون لذي المنكر ولاية خاصة على من يقوم بتغيير منكره)، فقلت: ما الذي تقصد بهذا؟
قال: كأن يكون ذو المنكر والد المغيِّر
أو زوجها..
قلت: فما عسى هؤلاء المستضعفين أن
يفعلوا؟
قال: يفرق هنا بين نوع المنكر ودرجته..
فإن لم يترتب عن تغيير المنكر باليد أي إيذاء أو ضرر، فلهما ذلك.. أما إذا ترتب
عنه ضرر، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها[1].
[1] ذهب الغزالي إلى أن للولد مع والده الواقع في المنكر،
أن يغيره بالمنع، بالقهر، بطريق المباشرة، (بأن يكسر مثلاً عوده، ويريق خمره،
ويحل الخيوط من ثيابه المنسوجة من الحرير، ويرد إلى الملاك، ما يجده في بيته من
المال الحرام الذي غصبه أو سرقه، أو أخذه عن إدرار رزق من ضريبة المسلمين إذا كان
صاحبه معيَّناً، ويبطل الصور المنقوشة على حيطانه، والمنقورة في خشب بيته، ويكسر
أوان الذهب والفضة، فإنَّ فعله في هذه الأمور ليس يتعلق بذات الأب، بخلاف الضرب
والسب، ولكن الوالد يتأذى به ويسخط بسببه إلا أنَّ فعل الولد حق وسخط الأب منشؤه
حبه للباطل وللحرام، والأظهر في القياس أنه يثبت للولد ذلك بل يلزمه أن يفعل ذلك) (انظر: الإحياء: 2/318)