قال الشاب: لا أشك في ذلك.. ولا أظن أن أحدا من الناس يشك فيه.
قال جعفر: فذلك علم.. وهو مجموعة حقائق تستوطن عقلك بما فيه من
أجهزة التذكر والتحليل والتركيب والعبور.
قال الشاب: والمعرفة؟
قال جعفر: عندما تضع يدك على النار، ويصيبك من لهيبها ما
يصيبك.. حينها تصير عارفا بأن النار تحرق.
قال الشاب: تقصد أن المعرفة معايشة للمعلوم؟
قال جعفر: هي معايشة تنطلق من يقين..
قال الشاب: فلم كانت المعرفة أكمل من العلم؟
قال جعفر: لأن العلم قد لا يترك أي أثر فيك إلا الأثر الذي يتركه
في ذلك الحيز الضيق من عقلك، بينما المعرفة تستعمرك استعمارا، وتحتل كل لطائفك،
فلا تتصرف أي تصرف إلا تحت إشارتها.
ألا ترى أن السكير المدمن على سكره قد يكون في عقله من العلوم
المرتبطة بمضار الخمر ما ليس عند من عوفي من السكر؟
قال الشاب: ذلك صحيح.. ولكن المسكين حبيس شهوته ونفسه الأمارة
بالسوء، فلذلك لم تستطع معارفه المرتبطة بمضار السكر أن تحدث أثرها فيه.
قال جعفر: لأن معلوماته لم تصر معارف.. ولو صارت معارف لتحكمت
في كل كيانه.
قال الشاب: فكيف تصير علومه معارف؟
قال جعفر: إذا اندمجت مع كيانه، أو صارت لها السلطة على كيانه..
فحينذاك تتوحد نفسه وعقله وقلبه وروحه وكل لطائفه على مقتضيات معرفته.