وحده، واجتهدت في أخذ حذري منه لأن الله تعالى شهد عليه أنه
عدو لي، فتركت عداوة الخلق غيره.
قال جعفر: أحسنت يا حاتم، فما السابعة؟
قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق، فرأيت كل واحد منهم يطلب هذه
الكسرة، فيذل فيها نفسه، ويدخل فيما لا يحل له، ثم نظرت إلى قوله تعالى:﴿
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾ (هود: 6)،
فعلمت أني واحد من هذه الدواب التي على الله رزقها، فاشتغلت بما لله تعالى علي
وتركت ما لي عنده.
قال جعفر: أحسنت يا حاتم، فما الثامنة؟
قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق فرأيتهم كلهم متوكلين على مخلوق..
هذا على ضيعته.. وهذا على صحة بدنه.. وكل مخلوق متوكل على مخلوق مثله، فرجعت إلى
قوله تعالى:﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ (الطلاق:
3)، فتوكلت على الله عز وجل فهو حسبي.
قال جعفر: وفقك الله يا حاتم.. لقد عرفت فالزم..
أعجبتني أحاديث هذا الرجل.. فسرت خلفه، فرأيت رجلا شابا يقطع
طريقه، كان يشبهني تماما.. وكأنه كان نسخة مني.. ومن العجب أنه كان يستعمل نفس
أسلوب جدالي وحديثي.. بل كان فوق ذلك يورد ما في نفسي من الشبهات والجدل.. وكأنه
أنا قد خرج من جلبابي ليمتطي جلبابه.
قال الشاب: أراك تفرق بين المعرفة والعلم.. وتفرق بين العارف
والعالم.. ولكني لا أرى الناس إلا يخلطون بين العارف والعالم، فلا يرون العالم إلا
عارفا، ولا العارف إلا عالما.
فأجابه: العلم ما استعمل عقلك، والمعرفة ما استعمل كيانك.