وهكذا، فإن للقاضي أن يستعمل كل الوسائل
التي يستطيع بها أن يصل للحقيقة.
قلت في نفسي: وهذا أيضا قد يكون طريقا من
طرق الجور.. فالقاضي الذي يعذب المتهم سيستخرج منه لا محالة ما شاء من الاعترافات.
التفت إلي، والابتسامة تملأ فمه، وقال:
الكل يمكن أن يفعلوا ذلك.. الكل يمكنوا أن يظلموا ليتسنى لهم أن يعدلوا إلا محمدا a.. وإلا ورثة رسول الله a، فإن ما ملأ الله به قلوبهم من رحمة
تمنعهم من أن يفعلوا ذلك..
الحكم:
بعد أن استعمل المحقق كل ما أمكنه من
وسائل للتثبت من الشهود والبينات خرجنا إلى القسم الثاني، وقد كان قاعة كبيرة تشبه
قاعات المحاكم المعروفة، وكانت مليئة بالحضور[1].
وكان أول متحدث فيها رجل تبدو عليه سيما
الصلاح، وقف في الجمع خطيبا، وقال: أيها الجمع المبارك.. أنتم تعلمون أن هذه
المحكمة بقضاتها، وكل من يعملون فيها، وبعد أن بذلوا كل جهودهم للبحث عن قضاء عادل
يحقق قيمة العدل السامية في أعلى درجاتها لم يجدوا قوانين عادلة كالقوانين التي
جاء بها الإسلام.. ولم يجدوا قاضيا عادلا بلغ به عدله أكمل الدرجات كرسول الله a.. لذلك ساروا خلفه، واعتبروه أسوتهم
الأعلى، وقدوتهم الأرفع.. وصارت همة الكل هو السعي للتحقق بوراثة رسول الله a.
وقد وقفت هنا بينكم ـ قبل أن يذكر القاضي
الأحكام التي وصل إليها بعد التحري والتثبت والتدقيق ـ لأذكر لكم قيمة العدل
وخطورة الظلم.. ليرتدع كل ظالم وجائر سواء كان من المتهمين أو من القضاة:
[1] وردت النصوص الكثيرة الدالة على وجوب علانية الجلسات
القضائية حرصا على تحقيق العدالة.. فقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقضي
في السوق..