قال: ذكر الله وعبادته والتعرف عليه.. لهذا خلق الإنسان.. أما
الأكل والشرب، فليست إلا وظائف محدودة.. لكن الغافلين اعتبروها مقصودة لذاتها..
فراحوا يشبعون أجسادهم، ويجيعون أرواحهم.
***
ظللت أياما في صحبة جعفر.. كنت أردد خلالها ما يردده من أذكار..
وكنت كل حين أسأله عن أسرارها، وعن المعارف المرتبطة بها، وكان كل مرة يفيدني من
معانيها ما لم أكن أنتبه إليه، أو أستطيع بمداركي المحدودة أن أدركه.
وقد عرفت خلالها الأعماق التي تحملها تلك الأذكار.. ومدى
التأثير الذي تحدثه في كيان من أدمن عليها، وأداها بالصفة التي كان يؤديها رسول
الله a.
لقد قارنت تلك الأذكار المملوءة بالمعاني العميقة بما كنت
تعلمته من سائر الملل والنحل، فوجدت البون بينها شاسعا.. فأذكار محمد a أذكار تعرف بالله، وبكمال الله،
وتتعامل مع الله بأدب رفيع، وشفافية عالية..
الخلوة:
في يوم من الأيام رأيت جعفر يعد زاده،
ويضعه في مزود، ثم يهم بحمله، وكأنه على أهبة سفر، فسألته عن مسيره، فقال: لقد
تعودت في مثل هذه الأيام من كل سنة أن أختلي في خلوة يجتمع فيها بعض أهل الله
لنتفرغ فيها لذكر الله.
قلت: خلوة!؟
قال: أجل.. ذلك المحل الذي تطهر فيه النفوس،
وتعالج القلوب، وتترفع الأرواح.. ذلك المحل الذي لا يذكر فيه إلا الله.