ومنها ما حدث به ابن عباس قال: كان رسول الله a يعلمنا التَّشهُّد كما يعلمنا
السورة من القرآن، فكان يقول: (التحياتُ المباركاتُ الصلواتُ الطيباتُ لله، السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد
أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله)[2]
وقد وردت صيغ أخرى للتَّشهُّد غير هذه الصيغ جميعا..
قال جعفر: فما سرها؟
قال الصبي: من أدمن طرق الباب فتح له.. ومن أدب من فتحت له
الأبواب أن يحيي من يراه.. ومن فتحت له أبواب الله لم ير إلا أولياء الله.. فلذلك
كان من الأدب السلام عليهم، وإرسال التحية الصادقة لهم.. وليس من الأدب أن يبدأ
بهم قبل ربه.. فلذلك قدم أعرف العارفين ربه.
قال جعفر: لقد ذكرت في جميع الصيغ التي قرأتها السلام على النبي
a بصيغة الخطاب.. ألا يمكن أن يكون
ذلك خاصا بحياته؟
قال الصبي: نعم.. الخطاب لا يكون إلا لحي حاضر.
قال جعفر: فهل ترى تبديلها الآن يصيغة الغياب بدل الخطاب؟
قال الصبي: من كان بعيدا عن محمد a غائبا عنه معتقدا وفاته، فلا حرج
عليه أن يخاطبه بصيغة الغياب.. أما من كان محمد a حيا قريبا حاضرا في قلبه.. فإنه لا
يملك إلا أن يخاطبه بما يخاطب به الحي الحاضر القريب[3].
[1] رواه البخاري ومسلم. ورواه أحمد والنَّسائي وأبو داود.
[3] من الأدلة التي استدل بها العلماء على ترجيح رواية الخطاب:
1- أن جميع رواة الأحاديث عبر العصور قد استمروا في
رواية صيغة الخطاب دون أن يقيدوها بحياة النبي r، ولو كانت حياته عليه الصلاة
والسلام قيداًً لها لذكروه.
2 - لم يُرو أن الرسول r قد علَّم المسلمين صيغتين: صيغةً
يقولونها وهو حيٌّ، وصيغةً يقولونها بعد موته، وإنما علمهم صيغة واحدة هي صيغة
الخطاب، ولم يأمرهم بتركها والأخذ بصيغة الغيبة إذا مات.