نام کتاب : ثمار من شجرة النبوة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 460
قال: ما دامت الرومانسية التي هي هروب
للخيال لم تطفئ ظمأ الإنسان.. فإنه سيفر من الخيال ليبحث عن الواقع..
قلت: فقد خلفتها الواقعية إذن؟
قال: أجل.. وبئس الخلف كان.. لقد وقعت
الواقعية في رذائل لم تسبق إليها.
قلت: كيف كان ذلك؟
قال: لقد كانت الرومانسية بخيالها الجانح
صورة صادقة لما يمكن أن يسمى (عصر الهروب).. الهروب من طغيان الكنيسة، والهروب من
نير الإقطاع، والهروب من تقاليد الماضي[1]..
وجاءت الثورتان الفرنسية والصناعية وجاءت الحروب الدينية والقومية، وتغيرت ملامح
الحياة تغيراً بارزا،ً فكان لا بد لصورة الحياة (الأدب) أن تتغير كذلك.
في هذا العصر ـ الذي دخلت فيه الآلة حياة الإنسان ـ لم ينحصر
الاهتمام بالإنسان دون الآلة فحسب، بل اقتصر ـ من الإنسان ـ على وضعه الدنيوى
ومكانته الاجتماعية.. وعلى واقعه المعيشى وجزء معين من نزواته ورغباته والظروف
المحيطة به التى يتأثر بها سلباً وإيجاباً.
وكعادتنا في السقوط الحر سقطنا سقوطاً مفاجئا من الفضاء السحيق
إلى الوحل الهابط.
لقد كانت الرومانسية تحاول تصوير أعلى ما يمكن أن يصل إليه
الإنسان من القوة والمثالية فى مواجهة تحدى الإله أو الطبيعة أو حتى نزواته
وأهوائه، فجاءت الواقعية لتصوره فى أدنى ما يمكن أن يصل إليه من الهبوط فى لحظات
الضعف القاتلة.
لقد كان الإنسان ـ في الرومانسية ـ يصارع الأقدار، ويحاول إخضاع
الطبيعة.. ولكنه في (الواقعية) ينهزم بضعف أمام نزوة عابرة ولذة ساقطة.
لقد أخذ الواقعيون على الرومانسية أنها في جميع أعمالها الفنية
تقتصر على تصوير