نام کتاب : ثمار من شجرة النبوة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 458
المحددة، وأقوى من العقل اختراقاً للأسرار وتبديداً للغموض، ألا
وهى (الشعور العاطفى)، ذلك الشعور الذى يمتطى آفاق الخيال الواسعة، فيسبر أغوار
الذات الإنسانية العميقة ويستجلى جمال الطبيعة.
وهكذا أخذ الرومانسيون يرتفعون رويداً رويداً عن الأرض ويحلقون
فى الفضاء السحيق ولكن إلى غير الله.. ومن غير طريق المسيحية.
كانوا يتحدثون عن الحب، ويبحثون عن الجمال، ويفلسفونها فى
أساليب ضبابية كثيفة، كما كانوا يتحدثون عن الشياطين والملائكة والسحر والعوالم
المجهولة فى محاولات دائبة ويائسة لاستكناه أسرار الكون وتحقيق السعادة الداخلية.
وأصبحوا ينقبون عن الحقائق الأبدية ـ لا فى الكتاب المقدس، ولا
فى المؤلفات العقلية ـ ولكن فى صفحة الطبيعة الخلابة ومناظرها الحالمة، وكل هذا
أفضى بهم إلى مثالية معرفة جوفاء أعظم فى بعض جوانبها من تلك التى انتقدوها على
الكلاسيكيين.
ونتيجة أخرى مهمة هى أن الرومانسية باعتقادها أن غاية النشوة
وقمة السعادة تكمن فى أن يطلق الإنسان عنان نفسه لتذوب فى حب الطبيعة ويفنى الصوفى
فى معبوده ولذا أحلت (الطبيعة) محل (الله) والشعور محل العقل.
وبهذا تكشفت الرومانسية عن صورة وثنية جديدة (وكل الكلام الجميل المعسول الذى قيل لتبرير
هذه الوثنية: أن الطبيعة (محراب) الله وأن الجمال (صورة الله).. إننا نعبد الله فى
خلقه … إلى آخر
هذه الجمل (الرومانتيكية) البراقة.. كل هذا الكلام لا يستطيع أن يخفى تلك الروح
الوثنية الغارقة فى الوثنية التى تعبد المحسوس فى حقيقة الأمر لأنها تعجز عن إدراك
(الله) بالروح … والروح
غنية بالمحسوسات)[1]