نام کتاب : ثمار من شجرة النبوة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 424
الأنبـياء كلهم، بل هو كافر بالقرآن كله من أوّله إلى آخره،
فكيف يعدّ من زمرة العلماء؟ ومن علم هذا كله ثم لم يؤثر الآخرة على الدنيا فهو
أسير الشيطان قد أهلكته شهوته وغلبت عليه شقوته فكيف يعد من حزب العلماء من هذه
درجته؟)[1]
ابتسمت، وقالت: إن هذا الكلام العظيم الذي نطق به الغزالي كما
نطق به جميع علماء الإسلام هو الذي أعطى لعلوم المسلمين تلك الروحانية العميقة
والآداب الرفيعة التي نفتقر إليها.
والغزالي لا يقصد ما فهمته من ترك علوم الدنيا.. لأن الإسلام لا
يفرق بين علوم الدنيا وعلوم الدين.. فالدنيا لابد أن تخضع في الإسلام للدين ليقيها
من الانحراف.
والغزالي نفسه ـ الذي استندت إليه في ذلك الفهم ـ يعتبر جميع ما
نسميه علوم الدنيا من علوم الدين.. بل من العلوم التي يفتقر إليها في فهم القرآن..
لقد قال في بيان نسبة هذه العلوم للقرآن: (ثم هذه العلوم ما عددناها وما لم نعدها
ليست أوائلها خارجة عن القرآن، فان جميعها مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله
تعالى وهو بحر الأفعال، وقد ذكرنا أنه بحر لا ساحل له، وأن البحر لو كان مدادا
لكلماته لنفد البحر قبل أن تنفد، فمن أفعال الله تعالى ـ وهو بحر الأفعال ـ مثلا
الشفاء والمرض كما قال الله تعالى عن ابراهيم u:﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ((الشعراء:80)، وهذا الفعل الواحد
لا يعرفه الا من عرف الطب بكماله، إذ لا معنى للطب الا معرفة المرض بكماله
وعلاماته، ومعرفة الشفاء وأسبابه)[2]
وضرب مثالا آخر عن ذلك بعلم الفلك، وهو ـ فيما نرى ـ علم محض
إلا إذا هدف من ورائه إلى تحقيق مصلحة من المصالح ـ فقال: (ومن افعاله تبارك
وتعالى تقدير معرفة الشمس والقمر ومنازلهما بحسبان وقد قال الله تعالى:﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ (الرحمن:5)،