نام کتاب : ثمار من شجرة النبوة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 217
الوطن أو القوم محل عبادة الله، وذلك ما نادت به الثورة حرفياً.
وروسو لم يكن ـ في الحقيقة ـ صاحب هذه الفكرة.. بل سبقه إليها
الفلاسفة المثاليون في المدن الفاضلة ففي (جمهورية أفلاطون) و(اليوتوبيا) لتوماس
مور، و(مدينة الشمس) لكامبانيلا، وكلها نماذج واضحة للحياة اللادينية التي تقوم
على أساس من التفاهم والوفاق المجرد بين الأفراد، وهو ما عبر عنه روسو بالعقد الاجتماعي،
إلا أنه أضاف إلى هذا النموذج ما اقتبسه من (هوبز) و(ميكافيلي) اللذين غلبا جانب
الشر لدى الإنسان على الخير، لذلك كان روسو هداماً أكثر منه فيلسوفاً.
ومن تلك المدارس مدرسة الدين الطبيعي، وهي مدرسة ذات طابع فلسفي
هدام، وقد سبق الفلاسفة العقلانيون غيرهم في بحث علاقة الفرد بالدولة والمناداة
بمجتمع ينفصل فيه الدين عن الدولة، وكانت فكرتهم اللادينية أوسع مما تصوره
ميكافيلي، لأن الدين نفسه عندهم يجب أن يلغى ليحل محله (الدين الطبيعي أو القانون
الطبيعي)
وربما كان الفيلسوف (سبينوزا) رائد الفكرة العلمانية باعتبارها
منهجاً للحياة، فهو يقول في كتابه (رسالة في اللاهوت والسياسة): (ومن الخطورة على
الدين وعلى الدولة على السواء إعطاء من يقومون بشؤون الدين الحق في إصدار القرارات
أيا كانت أو التدخل في شؤون الدولة، وعلى العكس يكون الاستقرار أعظم إذا اقتصروا
على الإجابة على الأسئلة المقدمة إليهم والتزموا في أثناء ذلك بالتراث القديم
الأكثر يقيناً والأوسع قبولاً بين الناس)[1]
وهكذا بتأثير هذا الفكر اللاديني جسمت الثورة الفرنسية الفكرة
الفلسفية القديمة بإقامة مجتمع يرفض القيم والأخلاق الدينية، ويجعل العلاقات
النفعية المحضة هي الرباط المقدس الوحيد.