قلت: أخاف أن يحبسوني.. ولعل ذلك يحول بيني وبين السير الذي أعزم عليه.
قال: ألم تسمع إلى الصديق، وهو يقول:﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ (يوسف:33)؟
قلت: بلى..
قال: لم طلب يوسف السجن؟
قلت: لقد خير بين الرذيلة والسجن.. فاختار السجن.
قال: وأنت مخير بين أن يقف القتيل وأولياء القتيل يوم القيامة خصماء لك.. وبين أن تستحل منهم اليوم.. فاختر لنفسك ما تراه.
قلت: لأن أطهر اليوم خير من أن أطهر غدا.
قال: فسر إليهم.. وأخبرهم عن شأنك.. وما فعلوه بك.. فارض به.
قلت: والسير إلى الله؟
قال:﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ (الحديد:4)
قلت: فما أعمل في السجن إن أدخلوني إليه؟
قال: ما كان يعمله يوسف.. لقد اتخذ السجن مسرحا للدعوة إلى الله.. ألم تسمع قوله لصاحبيه:﴿ ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)﴾ (يوسف)
قلت: هذا ما بشر به يوسف.. فبم أبشر أنا؟