سرت مسافات طويلة بشوق عظيم إلى أن رأيت رجلا هو كالشمس أو قريب من الشمس..
مع صاحب له يقال له همام كان
رجلا عابدا، فقال له: يا إمام صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم؟
فتثاقل الإمام عن جوابه ثم قال: يا همام، اتق الله وأحسن فإن الله مع
الذين اتقوا والذين هم محسنون.
رأيت أن همام لم يقنع بما قال له الإمام، فراح يعزم عليه، فأجابه الإمام
بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم
بقوله: (أما بعد، فإن الله سبحان وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم، آمنا
من معصيتهم، لانه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه. فقسم بينهم
معايشهم، ووضعهم من الدنيا مواضعهم. فالمتقون فيها هم أهل الفضائل.. منطقهم الصواب،
وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع.. غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، وقصروا
أسماعهم على العلم النافع لهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء..
لولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم شوقا إلى الثواب،
وخوفا من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد
رآها، فهم فيها متنعمون، وهم والنار كمن قد رآها، فهم فيها معذبون.. قلوبهم محزونة،
وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، ومعونتهم في
الاسلام عظيمة.. وصبروا أياما قصيرة فأعقبتهم راحة طويلة وتجارة مربحة يسرها لهم
رب كريم.. أرادتهم الدنيا ولم يريدوها، وطلبتهم فأعجزوها، وأسرتهم ففدوا أنفسهم
منها.. أما