الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) [1]
قلت: لقد ملأتني شوقا إليهم.. فمن هم؟
قال: هؤلاء هم الذين لا يطلبون من الله إلا الله.. فهم لا يطلبون إلا لذة
النظر إلى وجه الله الكريم.. فهو عندهم غاية السعادات، ونهاية اللذات.
وهم الذين يرددون كل حين مع رابعة العدوية – عندما أجابت من سألها: كيف رغبتك في الجنة؟ - فقالت: (الجار ثم الدار)
إنهم الذين شغلهم حب رب الدار عن الدار وزينتها، بل عن كل شيء سواه حتى
عن أنفسهم.
وإن مثالهم مثال العاشق المستهتر بمعشوقه، المستوفي همه بالنظر إلى وجهه
والفكر فيه، فهو - في حال الاستغراق - غافل عن نفسه، لا يحس بما يصيبه في بدنه.
قال ذلك، ثم رفع يديه إلى السماء، يقول: إلهى كيف أيأس من حسن نظرك بعد
مماتى ولم تولنى إلا الجميل في حياتى.. إلهى إن كانت ذنوبى قد أخافتنى فإن محبتى
لك قد أجارتنى، فتول من أمرى ما أنت أهله، وعد بفضلك على من غره جهله.
إلهى لو أردت إهانتى لما هديتنى، ولو أردت فضيحتى لم تسترنى، فمتعنى بما
له هديتنى، وأدم لى ما به سترتنى.
إلهى ما أظنك تردنى في حاجة أفنيت فيها عمرى.
إلهى لولا ما قارفت من الذنوب ما خفت عقابك، ولولا ما عرفت من كرمك ما
رجوت ثوابك.