والجلوس إليه بشرط ألا يخترقوا قوانين السجن.. ومن يخترقها
فسيتحمل مسؤولية خرقه.
ما هي إلا لحظات قصيرة حتى اجتمعت الجموع حول عمار بطلعته
البهية وقامته الفارعة وسنحته الممتلئة بأسارير الإيمان[1] .. وكأنه ذلك الجبل الشامخ الذي صحب رسول
الله a، وقدم روحه فداء له ولدينه إلى
آخر لحظة من لحظات حياته.
عندما اجتمعت الجموع، نظر إليهم عمار نظرة حانية، ثم صاح:
اسمحوا لي أنا العبد الضعيف الفقير إلى الله أن أجلس بينكم لأحدثكم عن أعظم رسالة
وأعدل شريعة وأكمل نظام..
واسمحوا لي قبل ذلك أن أحدثكم عن نفسي..
لقد نادى السجان علي باسم (عمار بن ياسر).. ولعل ذلك يجعلكم
تتوهمون أن هذا هو اسمي الذي ولدت به.. وأنا أبادر فأصحح هذا الخطأ..
إن هذا الاسم في الحقيقة هو الاسم الذي اخترته بعد ولادتي
الثانية.. والتي كانت بعد مخاض طويل تقلبت فيه بين الأديان والمذاهب والأفكار أبحث
لي عن دين أتحقق فيه بالحرية التي عشقتها، ولم أر في الحياة شيئا يعدلها.
وبعد ذلك التيه رأيت الإسلام بعقيدته وشريعته.. ورأيت فيه من
الحرية ما لم أجده في أي دين ولا أي مذهب.. وقد شدني ذلك العملاق من أصحاب رسول
الله a.. ذلك الذي يسمى (عمار بن
ياسر)، فرحت أسمي نفسي به.
[1] مما جاء في وصف عمار أنه
كان آدم طويلا مضطربا أشهل العينين بعيد ما بين المنكبين.. وكان لا يغير شيبه (أسد
الغابة)