اعذروني إن كنت قد قرأت لكم هذه الآيات بطولها.. فأنا لا
أراها مجرد قصة لرجل من بني إسرائيل.. بل أراها أعظم من ذلك بكثير إنها تمثل دستور
المسلمين الاقتصادي..
وقارون بالنسبة لي ليس مجرد شخص.. إنه يتمثل في أنظمة كاملة..
أنظمة ممتلئة بالكبر والجشع والأنانية..
ومصير قارون بالنسبة لي هو المصير النهائي الذي ستؤول إليه
تلك الأنظمة.. فتلك الأنظمة التي استكبرت فوق الأرض ليس لها من مصير سوى أن تخسف
بها تنال الأرض لتنال جزاء كبريائها.. ولهذا ختم الله تعالى قصة قارون بقوله
:﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ
عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
(83)﴾ (القصص)
انظروا كيف وصفت هذه الآية العابدين للمال من دون الله.. لقد
وصفتهم بالعلو والاستكبار.. كما وصفتهم بالفساد.. وكلاهما نتيحتان حتميتان لكل من
اتخذ المال إلها من دون الله.
قال رجل منا: فالمال ممقوت إذن بسبب كل ما ذكرت.
قال الحسين: نعم.. المال إن جعل صاحبه مثل قارون فهو مال
ممقوت.. هو ممقوت كما يمقت المرض، وكما تمقت الزلازل وجميع المصائب.. وكيف لا
يمقت، وهو يؤدي بصاحبه إلى تلك النتيجة الخطيرة التي آل إليها أمر قارون.. وغيره..
في جميع أحقاب التاريخ.
لقد حذر الله المؤمنين من أن يشتغلوا بأموال قارون عن
الوظيفة التي خلقوا لها.. قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ (المنافقون:9).. وقال :﴿
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ
عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (لأنفال:28)
قال رجل منا: فكيف تزعم أن الإسلام جمع بين الأمرين.. بين حب
المال وبغضه.. ووازن بين الزهد والحرص.. زهد المسيح وحرص المذاهب المادية؟