قرأ محمد هذه الآيات بخشوع
عظيم، ثم نظر إلي، وقال: إن هذه الآيات تخبرك عن سر الإنسان.. ومن خلاله تعرف سر
الروح.
لقد خلق الله الإنسان في وضع
يكابد فيه البحث عن الحياة التي يختارها.. الحياة المادية والحياة المعنوية..
وهو في هذه الحياة وضعت أمامه
جميع الأشكال والقوالب ليختار منها ما يتناسب مع هواه وإرادته..
ثم كان من رحمة الله أن بين له
النجدين.. نجدي الخير والشر.. ونجدي الحق والباطل.. ليختار من كل ذلك ما يتناسب مع
رضاه وإرادته وكسبه.. من غير أن يجبر في ذلك على شيء.
ثم كان من رحمة الله أن هداه
إلى السلوك الصحيح الذي ينجيه ويسعده في هذه المحال الصعبة من الاختيار.
قلت: لم كان الأمر كذلك؟
قال: لقد ذكر الله ذلك، فبين
أن البشر سيتميزون.. وسيكون هناك أهل يمين، وسيكون في مقابلهم أهل شمال..
قال: لقد ذكر الله ذلك، فقال
:﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ
بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ
أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37)﴾ (الأنفال)
قلت: لكن الناس لو تركوا
لأنفسهم فسينحازون لا محالة لأهل الشمال؟
قال: لا.. لقد كان من رحمة
الله.. أن عرف الإنسان به قبل أن يعرفه بالأشياء.. لقد قال
[1]
ذكرنا التفاصيل الكثيرة المرتبطة بهذا في رسالة (أسرار الأقدار) من سلسلة (عيون
الحقائق)