قال: أجل.. لقد كان
هذا الأستاذ راعيا.. ولم ألقه إلا في مرعاه.. أمام جبل من الجبال..
قلنا: وما الذي حملك
إلى الجبال.. ألم تكن ابن المدينة؟
قال: بعد أن لقنني
أساتذتي كل تلك المعارف.. وبعد أن رأيت آثارها على نفسي وعلى الناس من حولي احتقرت
الحياة.. واحتقرت الإنسان.. فلذلك لجأت إلى تلك الجبال ألتمس الخلاص.
قلنا: عند الراعي؟
قال: لا.. لقد ذهبت
إلى تلك الجبال لأطعم جثتي للجوارح.. فلم أرض لجسدي أن يلطخ بنفايات تلك المدينة
الملعونة..
لقد ذهبت إلى الجبال
لأسلم جسدي للموت..
قلنا: تنتحر!؟
قال: لقد صارت الحياة
ـ على ضوء تلك التعاليم القاسية التي تعلمتها ـ لا تساوي أن أعيش من أجلها.. فلذلك
رأيت الانتحار هو الوسيلة الوحيدة التي أتخلص بها من الحياة التي لا معنى لها.
قلنا: فكيف لم تمت.. ها
أنت بيننا؟
قال: لقد أنقذني ذلك
الراعي.. ثم لقنني من التعاليم ما حبب إلي الحياة.. بل ما جعلني بعد ذلك أرحل إلى
هذه البلاد لأبحث عنه.
قلنا: هل رحل هو الآخر
إلى هذه البلاد؟
قال: أجل.. بعد أن
بلغته أخبار تلك الفتنة العظيمة التي تريد أن تجتث أمة محمد ترك غنيماته، ثم سار
إلى هذه البلاد ليطفئ نيران الفتنة.. ومنذ رحل، وقلبي مشتعل شوقا إليه..