لست أدري كيف ظللت في صحبة هذا
الأستاذ الأرعن مدة طويلة من الزمن.. ربما كنت أنفس بها عن ذلك النقص الذي زرعه في
نفسي الدير.. لقد كنت بقوة نيتشة أغطي النقص الذي زرعه في نفسي أول أستاذ لي (سان
بونافنتور)
قلنا: فكيف بدا لك أن تتركه؟
قال: أنا لم أتركه.. ولكن عقله
الذي كان يتيه به هو الذي تركه.
قلنا: ما تقصد؟
قال: لقد ظهر جنونه بعد أن كان
خفيا.. فلذلك لم أجد في صحبته إلا ما يحولني كما يحول البشرية جميعا إلى قطيع من
المجانين.. ويحول الأرض إلى مارستان كبير لا يحوي إلا المجانين.
قلنا: فكيف تخلصت من تأثير
أفكاره؟
قال: لقد بدأ ذلك أولا بتخلصي
من الإدمان على تلك الخمرة التي سقاني منها.
قلت: أي خمرة؟
قال: خمرة الغرور الذي يسميه
قوة..
قلت: اكتشفت إذن بأن القوة التي
يتحدث عنها ليست سوى غرور؟
قال: أجل.. ففرق كبير بين أن
يسعى الإنسان لتحصيل القوة.. وبين أن يتيه بها.. ويمحو بها غيره.. إن القوة تستدعي
الاستفادة من كل الطاقات والأفكار واحترامها..
وقد رأيت أن أول ما بدأ به
أستاذي المجنون هو أنه رفع عني الثقة في كل الأفكار التي تطرح على الأرض..
قلت: فهل ناقشت أفكاره مناقشة
عقلية؟
ابتسم، وقال: أجل.. لقد طبقت
على الأفكار التي لقنني إياه المنهج الذي علمني إياه.. فمحوتها من ذاكرتي ومن
التأثير في.