بعد أن انتهت الأيام العشرة،
وانتهت أحاديث أصحابي العشرة، وفي الليلة التي ينفذ في صباحها حكم إعدامنا حصلت
أشياء عجيبة.. سأقصها عليك باختصار:
لقد كان في حراستنا في ذلك
الغار رجل صلب شديد، لم نكن نعرف منه إلا الطعام البسيط الذي كان يحضره لنا في
الصباح والمساء.. وكان بينهما، وفي الوقت الذي نشتغل فيه بما قصصته لك من الأحاديث
يتصنت علينا باهتمام كبير، وكان أحيانا يهتز لما يسمع، وكأننا نخاطبه به.
هذا الرجل الذي لم نتشرف بمعرفة
اسمه، كان هو سبب نجاتنا..
في تلك الليلة.. جاءنا متخفيا
ملثما كعادته، ثم طلب منا أن نسير خلفه، وأن لا ننحرف نحو أي جهة، كل ذلك وهو مشهر
سلاحه نحونا.
ظننا في البدء أن حكم الإعدام
سينفذ علينا في تلك الليلة، فسرنا، وقد ملأتنا مشاعر من وقف بين الموت والحياة..
في تلك اللحظات كدت أصيح من كل
قلبي، وبكل مشاعري (لا إله إلا الله محمد رسول الله).. ولكن جبالا من الحديد
والزنك والرصاص وقفت في حنجرتي، ومنعتني من أن أنطق بما ظللت طول عمري أحلم بأن
أنطق به.
سرنا خلف الحارس.. وقد تعجبنا
إذ أنه سلك بنا مسالك كثيرة.. كل ذلك، وهو يشهر سلاحه في وجوهنا، ويصيح فينا بكل
قوة بأن نسرع..
بعد مسيرة أكثر من ساعتين وجدنا
مغارة لا تختلف عن المغارة التي كنا فيه، فأشار إلينا أن ندخل إليها، فدخلنا..
بعدها نظر فيما حوله، ثم دخل خلفنا، وأماط اللثام عن وجهه، فإذا به وجه لا يختلف
عن وجوه قومنا لولا تلك اللحية الطويلة التي تميز بها الكل في تلك الجبال.
ثم نطق بلغة إنجليزية فصيحة..
وكأنه من غير تلك البلاد، وقال لنا: اسمحوا لي أن أعرفكم