هذه الآية::﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (الزمر:53)، فوقف عليه، فقال:( يا
عبد الله أعد قراءتها فأعادها عليه، فغمد سيفه، ثم جاء تائباً.
ويروى من هذا أن
مجوسياً استضاف إبراهيم الخليل u، فقال: إن أسلمت أضفتك؛ فمرّ المجوسي، فأوحى الله تعالى إليه: يا
إبراهيم لم تطعمه إلا بتغيـير دينه ونحن من سبعين سنة نطعمه على كفره، فلو أضفته
ليلة ماذا كان عليك؛ فمر إبراهيم يسعى خلف المجوسي فرده وأضافه؛ فقال له المجوسي:
ما السبب فيما بدا لك؟ فذكر له؛ فقال له المجوسي: أهكذا يعاملني ثم قال: اعرض علي
الإسلام فأسلم.
فهذه المعرفة بالله
جعلت الأول يستهين بكل صعب في سبيل الله، ولذلك قال الغزالي:( اعلم أن العمل على
الرجاء أعلى منه على الخوف، لأن أقرب العباد إلى الله تعالى أحبهم له، والحب يغلب
الرجاء، واعتبر ذلك بملكين يخدم أحدهما خوفاً من عقابه والآخر رجاء لثوابه) [1]
ولما يتضمنه القنوط من
رحمة الله من مساوئ في الاعتقاد أو السلوك ورد النصوص بتحريمه، كما قال تعالى في الآية
السابقة:﴿ لا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ)(الزمر: من الآية53)، فحرم أصل اليأس.
بل اعتبر اليأس من روح
الله من صفات الكافرين، كما قال تعالى:﴿ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْكَافِرُونَ﴾ (يوسف: من الآية87)
وأخبر تعالى أن كفر
الكافرين وضلالهم ناتج عن سوء ظنهم بربهم، كما قال تعالى:﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ
بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (فصلت:23)، وقال تعالى:﴿ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ
الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي
قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً﴾