الإنسان من قدح القانون للمادة
كما ينقدح الحجر من الزناد، فيخرج الشرر ثم ينطفئ فيموت.. وتزول الأرواح كما تزول
الأجساد متي (نضجت) كما تنضج الثمرة في أجلها المعلوم.. وقد يبطئ النضج فيطول بقاء
الروح فهي إذن طيف أو شبح، كأنها الثرة في حالة العفن والإهمال.
ولما مات كنفشيوس (478 ق. م)
أقاموا له الهياكل وعبدوه علي سنتهم في عبادة أرواح الأسلاف الصالحين، وأوشكوا أن
يتخذوا عبادته عبادة رسمية علي عهد أسرة هان في القرن الثاني قبل الميلاد، وأوجبوا
تقديم القرابين والضحايا لذكراه في المدارس ومعاهد التعليم، وكانت هياكله في
الواقع بمثابة مدارس يؤمها الناس لسماع الدروس كما يؤمونها لأداء الصلاة.. ولم تزل
عبادته قائمة إلي العصور المتأخرة بل إلي القرن العشرين.. فخصوه في سنة 1906
بمراسم قربانية كمراسم الإله الأكبر (شانج تي) إله السماء لأنه في عرفهم (ند
السماء) ومن لم يؤمن اليوم بربوبيته من الصينيين المتعلمين فله في نفسه توقير يقرب
من التأليه، وقد جعلوا يوم ميلاده – وهو السابع
والعشرون من شهر أغسطس- عيدا قوميا يحجون فيه إلي مسقط رأسه، وينوب عن الدولة موظف
كبير في محفل الصلاة أمام محرابه.
قلنا: لاشك أنك رحلت بعد الصين
إلى اليابان!؟
قال: أجل.. وقد وجدت أن موقف
اليابان من الرسالة الدينية كموقف الصين علي الإجمال.. فقد تشابهت عقائدهم في
أصولها وعبدوا الأرواح والأسلاف والعناصر الطبيعية.. وإذا كان لأهل اليابان سمة
خصوصية في العبادات فهي أنهم اختاروا ربة أنثي لعبادة السلف الأعلي حين وحدوا الأسلاف
في أكبرها وأعلاها.. وتلك الربة هي (اميتراسوا-أموكامي) التي لا تزال معبودة إلي
اليوم.
ويؤخذ من الأساطير اليابانية
أنها كانت ربة الغزاة الذين أغاروا فيما قبل التاريخ علي جزيرة كيوشو، وأخضعوا
أهلها وطردوهم منهزمين إلي الجبال، وكأن أهل كيوشو الأولون يعبدون إله الريح
والمطر (سوسا- نو- وو) فهبط هذا الإله بهزيمتهم إلي المرتبة التالية لمرتبة الربة