الناس ـ سراع إلى معاداة ما
جهلوه، وذم ما لم يعلموه.. ولا يصدق عليهم إلا قوله a :(
الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة)[1]
قالوا: فمن الطائفة الثالثة؟
قال: هم قوم قرأوا هذه الكتب
بعقول مدخولة، وأهواء مشوبة، وبصائر غير سليمة.. وقد أشربت قلوبهم لذلك حب
الاستخفاف، واستلانوا مركب العجز، واستوبأوا نقل الشرع، وقبلوا قول الجهال، فوسموا
أنفسهم بفهمها، وهم أبعد الناس عنها وعن درايتها..
ونحن ـ في مجلسنا هذا ـ نصحح ما
أخطأوا فيه.. عسى أن يكون ذلك سببا في هداية من سبقت له الهداية في علم الله عز
وجل، فيفوز بالحظ الأعلى، ويحوز القسم الأسنى.
قالوا: فمن الطائفة الرابعة؟
قال: هم قوم نظروا بأذهان
صافية، وأفكار نقية من الميل، وعقول سليمة، فاستناروا بها، ووقفوا على أغراضها
فاهتدوا بمنارها، وثبت التوحيد عندهم ببراهين ضرورية لا محيد عنها، وشاهدوا انقسام
المخلوقات وتأثير الخالق فيها وتدبيره إياها، ووجدوا هذه الكتب الفاضلة كالفريق
الصالح والخدين الناصح والصديق المخلص الذي لا يسلم عند شدة، ولا يفتقده صاحبه في
ضيق إلا وجده معه.. فلم يسلكوا شعبا من شعاب العلوم إلا وجدوا منفعة الكتب أمامهم
ومعهم، ولا طلعوا ثنية من ثنايا المعارف إلا أحسوا بفائدتها غير مفارقة لهم، بل
ألفوها لهم كل مستغلق، وتليح لهم كل غامض في جميع العلوم.
وهؤلاء هم أنتم.. وقد قصدنا في
مجلسنا هذا ـ أنا وأخي الغزالي ـ أن نبسط لكم ما تعقد.. ونكشف لكم ما غمض..
وقد كان منهجي في ذلك التبسيط
والتيسير.. وقد رأيت تعقيد الترجمة في تلك الكتب،