في اليوم الثاني، قام رجل منا،
وقال: سأحدثكم اليوم أنا عن حديثي.. اعذروني، لقد كنت مثل من سبقني أحمل أسماء
كثيرة مستعارة، كنت أحاول بها أن أغطي حقيقتي التي كانت تعذبني كل حين.. لكن
حقيقتي أبت إلا أن تتمرد علي، وتذيقني في تمردها من الهوان ما لم أكن أحسب له أي
حساب.
ليست بهذه المأساوية تنتهي
قصتي.. هناك جوانت مشرقة ممتلئة بالنور والسلام والصفاء، لعل حياتي كلها كانت تسير
نحوها.. ولعلي لم أسر نحو هذه البلاد إلا بحثا عنها.
قلنا: من أي البلاد أنت؟
قال: أنا من بلاد العرب.. ومن
قبيلة فيها يقال لها (بنو عذرة).. وهم قوم لم يعيشوا إلا بقلوبهم ولقلوبهم.. ولكني
لم يستقر بي المقام بها إلا قليلا، فقد جبت المشرق والمغرب.
قلنا: لم؟
قال: ألم أقل لكم إني من قوم لا
يعيشون إلا بقلوبهم ولقلوبهم؟
قلنا: كلنا كذلك.. بل كل البشر
كذلك.. فلا يمكن لأحد أن يعيش بدون قلب.
قال: ما أكثر من يهيل على قلبه
التراب.. وما أكثر من يسجن قلبه.. وما أكثر من يضيع قلبه، فيصير عضوا ضامرا.. حيا
كميت.. أو ميتا كحي.
قلنا: وأنتم؟
قال: أما نحن، فقد اعتبرنا
قلوبنا، والتي هي محل عواطفنا، أساس وجودنا، فلذلك لم ننشغل عنها بأي شاغل.