هل يمكن لمدع كاذب أن يرى كل ذلك، وهو في
رحمة محمد ورقته وحسن خلقه، يترك أصحابه لذلك الحال، ثم لا يتراجع قيد أنملة عن
مبادئه.
لقد ذكر خباب كيف شكا لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ما يصيبهم من أنواع البلاء، وإجابة رسول
الله a له، وهي تدل بحد ذاتها على
الصدق العظيم الذي كان يحمله قلب محمد a.
قال خباب: أتيت رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم، وهو متوسد برده في ظل الكعبة، ولقد
لقينا من المشركين شدة شديدة، فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله لنا؟ فقعد محمرا
وجهه فقال: إن كان من كان قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم
وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأس أحدهم، فيشق باثنتين ما
يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت
لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه[1].
بهذا أجاب رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم المستضعفين الذين علمهم القرآن الكريم
أن يضحوا بكل شيء في سبيل الله، لقد ذكر الله تعالى لهم قصة أصحاب لأخدود، فقال
تعالى:﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ
الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ
بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا
بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ
وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)﴾(البروج)
ولم يكن للمستضعفين في ذلك الوقت من أنيس
غير القرآن الكريم، وحقائق القرآن