فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: اذهب يا
ابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشئ أبدا، ثم قال أبو طالب:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى
أوسد في التراب دفينا
فامضي لأمرك ما عليك غضاضة وابشر
وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصحي فلقد
صدقت وكنت ثم أمينا
تصوروا شدة هذا الموقف على رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم مع أن أبا طالب كان بمثابة أبيه، فقد
تربى في بيته، وكفله في صغره بعد موت جده.. لو أن محمدا a لم يكن له من الثبات والصدق ما له، هل
سيترك عمه يعاني كل ذلك العناء؟
ليس ذلك فقط.. فلم تيأس قريش من تأليبب
أهله عليه.
قال ابن إسحاق: ثم إن قريشا حين عرفوا أن
أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم وإسلامه، وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن
الوليد بن المغيرة فقالوا له: يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش
وأجمله، فخذه فلك عقله ونصره واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذي
قد خالف ديننا ودين آبائك وفرق جماعة من قومك وسفه أحلامهم فنقتله، فإنما هو رجل
برجل.
قال: والله لبئس ما تسومونني! أتعطوني
ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه! هذا والله ما لا يكون أبدا، أرأيتم ناقة
تحن إلى غير فصيلها؟ فقال المطعم بن عدي بن نوفل: والله يا أبا طالب لقد أنصفك
قومك وجهدوا على التخلص مما تكره، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا.
فقال أبو طالب للمطعم: والله ما أنصفوني
ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظاهرة القوم علي، فاصنع ما بدا لك ـ أو كما قال ـ فحقب
الأمر وحميت الحرب وتنابذ القوم وبادى بعضهم بعضا.