وأما الثالث، فيتحدث عن خليفة في
آخر الزمان يحثي المال حثياً، ولا يعده عداً.
وفي هذا الحديث ـ بهذا الترتيب ـ
إشارة إلى أن هذا الخليفة الكريم سيسبق ظهوره وتأسيسه للخلافة الإسلامية حدثان
هما: حصار العراق وحصار الشام.
ويؤكد هذا فهم التابعي أبي نضرة
الذي نفى أن يكون هذا الخليفة هو عمر بن عبد العزيز، بالرغم مما عرف عن عهده من
كثرة المال، و لكن عهد عمر بن عبد العزيز لم يسبقه حصار العراق، ولا حصار للشام.
بالإضافة إلى هذا، فإن حصار
العراق الوارد في الحديث تضمن منع الطعام و المال عن العراق، وكنى عن الطعام
بالقفيز الذي هو مكيال أهل العراق للحبوب، وكذلك ذكر منع جباية المال إلى العراق
مع الطعام.
وهذا مما يؤكد هذه النبوءة، إذ
البلد المحاصر قديماً كان يدفع المال في مقابل الطعام، ولم يكن يتصور منع المال
عنه، لكن دلَّ منع المال عن أهل العراق مع منع الطعام عنهم في نفس الوقت أن مصدر
الأموال عندهم من التصدير، وأن الحصار يمنع عنهم الاستيراد كما يمنع عنهم التصدير.
وقد عبر جابر عن الحصار بعبارة
أخرى، وهي قوله (يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم)، وهو تعبير دقيق ينطبق على ما
يسمى بالحصار العالمي للعراق الذي عاشه أهل العراق فترة طويلة من الزمن، وهو أدق
وأصوب لغة ومعنى من تعبير الحصار، لأن الحصار يقتضي حصر البلد المحاصر داخل حدود
لا يستطيعون الخروج منها كما يمنع غيرهم من دخولها، فهكذا كان حصار المدن قديماً،
إذ كان يحيط جيش العدو بأسوارها و أبوابها، أو حتى بحدودها، إذا لم يكن لها أسوار،
و يمنعون دخول البضائع إليها بهذه الكيفية القديمة.