خلفهما نسمع حوارهما الشيق، ونستفيد منه، وكان أكثرنا اهتماما بحديثهما
صديقنا عالم الحيوان، فقد كان منسجما معهما انسجاما كليا، وكان كل مرة يود أن
يتدخل، ولكنه يرى عليا يكفيه كل ما يريد أن يذكره، فيكتفي بالسماع.
تحت عشب شجرة ضخمة في تلك الحديقة الجميلة جلس علي وحذيفة، وجلسنا قريبا
منهما، وهناك دار هذا الحوار الذي شد انتباه صديقنا عالم الحيوان، وجعله يغرق في
كل كلمة يقولانها.
حذيفة: لقد أخبرت النصوص المقدسة عن الحياة العاقلة للحيوانات ـ التي نختصر
معناها في نفوسنا في لحمها الشهي، أو صوفها الدافئ، أو وبرها الثمين ـ فقد ورد بأن
لها من الإدراك ما يجعلها أمة من الأمم لا تختلف عن أمة الإنسان، فقال تعالى:{ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (الأنعام:38)
فالآية تقرر حقيقة جليلة تهذب علاقتنا بغيرنا في هذا الكون، وهي أنه ما من
دابة تدب على الأرض مهما اختلف نوعها ينتظم في أمة، ذات خصائص واحدة، وذات طريقة
في الحياة واحدة، شأنها في هذا شأن أمم الناس[1].
أمم
الحيوانات:
علي: صدق الله العظيم.. إن في الآية
حقائق جليلة، فلنبدأ بأولها، وهو كلمة الأمم الواردة في الآية[2].