المثلين واحد، فلمّا كان هذا العالم ممكناً وجب الحكم على الآخر بالإمكان.
هذا دليل عقلي لا شك فيه.. ونحن نستخدمه كثيرا في حياتنا، فإذا سمعنا بأن
شركة ما أنتجت منتوجا حسنا لا نستغرب أن تنتج مثله أو ما هو أحسن منه.
ولهذا، فإن القرآن الكريم يستدل بالمساواة بين الإحياء في الدنيا والإحياء
في الآخرة، وذلك من خلال نمطين في المماثلة.
أولهما: مماثلة النشأة الاُولى من العدم بالنشأة الآخرة، كما قال
تعالى:﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ
عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الروم:27)
وثانيهما: مماثلة إحياء الأرض بعد موتها بالإحياء في الآخرة، كما قال
تعالى:﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ} (الروم:50)، فهذه الآية الكريمة تقرّر أن حُكم الأمثال واحد، فإذا تحقّق
الإحياء في الأرض بعد موتها، أمكن تحققه في الإنسان بعد موته، وفي غيره من
الأحياء.
فتبين إذن أن العقل يحكم بتساوي الأمثال في الحكم، ومنه يتبيّن أن القادر
على الإحياء الأول قادر على الإحياء الآخر ؛ لأنهما مثلان.
هذا برهان المماثلة..
هناك برهان آخر يستدل به القرآن الكريم يمكن تسميته بـ (برهان القدرة)، فكل
شيء في الكون يدل على قدرة الخالق العظيم غير متناهية، وما دامت كذلك، فيجوز في
العقل أن تتعلق بكل شيءٍ مقدور، يستوي في ذلك السهل والصعب على السواء، نرى ذكر
هذا كثيرا في القرآن الكريم.. فكثيرا ما نقرأ هذه الفاصلة ﴿ إِنَّ اللهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾، ولهذا أشارت الآيات القرآنية إلى صورتين من
الاستدلال على المعاد، بذكر عموم القدرة الإلهية وعدم تناهيها:
تتمثل أولاهما في بيان قدرته تعالى على المعاد في الآخرة مرتباً على ذكر
المبدأ في الاُولى