إن عملية فناء الجسم المادي الظاهري تستمر، ولكن الإنسان في الداخل لا
يتغير، بل يبقي كما كان علمه وعاداته وحافظته وأمانيه وأفكاره، تبقي كلها كما
كانت.
إنه يشعر في جميع مراحل حياته بأنه هو (الإنسان السابق)، الذي وجد منذ عشرات
السنين، ولكنه لا يحس بأن شيئا من أعضائه قد تغير، ابتداء من أظافر رجليه حتى شعر
رأسه.
ولو كان الإنسان يعني الجسم لكان لازما أن يتأثر علي الأقل بفناء الخلايا
وتغيرها الكامل، ولكننا نعرف جيدا أن هذا لا يحدث؛ وهذا الواقع يؤكد أن (الإنسان)
أو (الحياة الإنسانية) شيء آخر غير الجسم، وهي باقية رغم تغير الجسم وفنائه، وهو
كنهر مستمر فيه سفر الخلايا بصفة دائمة.
كان على وجه داروين كثير من السرور بكلام علي، ولكنه ـ ونتيجة لما لقنه من
ثقافة لم يستطع الجمع بينها وبين ما يقول علي ـ راح يدافع عن أفكاره بكل ما أوتي
من قوة، قال: لا يمكن التسليم بهذا الاستدلال، فالعقل، أو الوجود الداخلي الذي
نسميه (إنسانا) ليس بشيء آخر، ولم يوجد إلا نتيجة علاقة الجسم بالعالم الخارجي،
أما الأفكار والأماني فلا توجد خلال العمل المادي إلا كالحرارة التي توجد نتيجة
احتكاك قطعتين من حديد.
إن العقل والمنطق ينكران (الروح) بشدة، و(الشعور) لا يوجد كوحدة، وإنما هو
وظيفة، وتفاعل وتنسيق.
علي: ما دمت تقول هذا، وما دمت تعتبر أن هذه هي حقيقة الإنسان، فلنجرب أن
نخلق إنسانا حيا ذا شعور، ونحن ـ اليوم ـ نعرف بكل وضوح جميع العناصر التي يتألف
منها جسم الإنسان، وهذه العناصر توجد في الأرض وفي الفضاء الخارجي، بحيث يمكننا
الحصول عليها.
سكت داروين، فقال علي: دعنا من هذا.. وربما سترى في مستقبل أيامك من يثبت لك
وجود الروح بالمنطق الذي تفهمه.. أما نحن الذين من الله علينا بالثقة فيه، فنعلم
أن لنا أرواحا