نعم إن أي عقل يحب وجود حياة بعد الموت.. ولكن العلم لا يدل على شيء من ذلك.
قال ذلك، ثم أخذ يقول بنوع من الهستيرية: لا... لا حياة بعد الموت، لأن
الحياة التي أعرفها لا توجد إلا في ظروف معينة من تركيب العناصر المادية.. وهذا
التركيب الكيماوي لا يوجد بعد الموت، إذن فلا حياة بعد الموت.
وبناء علي علم الأعصاب(Neurology) لا يمكن معرفة العالم
الخارجي والاتصال به إلا عندما يعمل الذهن الإنساني في حالته العادية، وأما بعد
الموت فهذا الإدراك مستحيل، نظرا إلى بعثرة تركيب النظام الذهني.
قال علي بهدائه المعتاد: ولكن هناك قياسات أخري أقوى من هذا القياس؛ وهي
تؤكد أن بعثرة الذرات المادية في الجسم الإنساني لا تقضي علي الحياة؛ لأن (الحياة)
شيء آخر، وهي مستقلة بذاتها باقية بعد فناء الذرات المادية وتغيرها.
أنت تعلم أن الجسم الإنساني يتألف من خلايا كثيرة جدا ومعقدة، وهي مثل الطوب
الصغير، ينبني منه هيكل أجسامنا.
ولكن الفرق بين طوب أجسامنا والطوب الطيني شاسع جدا، فطوب الطين الذي يستخدم
في العمارات يبقي كما هو، نفس الطوب الذي صنع في المصنع، واستخدم في البناء للمرة
الأولى، بينما يتغير طوب هياكلنا في كل دقيقة، بل في كل ثانية.
فالجسم الإنساني يغير نفسه بنفسه بصفة مستمرة.. ولذلك، فهو كالنهر الجاري
المملوء دائما بالمياه، لا يمكن أن نجد به نفس الماء الذي كان يجري فيه منذ برهة،
لأنه لا يستقر، فالنهر يغير نفسه بنفسه دائما، ومع ذلك فهو نفس النهر الذي وجد منذ
زمن طويل ولكن الماء لا يبقي، بل يتغير.
وجسمنا مثل النهر الجاري، يخضع لعملية مستمرة حني إنه يأتي وقت لا تبقي فيه
أية خلية قديمة في الجسم، لأن الخلايا أخذت مكانها.