إن هذا مشهد عجيب، حافل بالحركة، مشوب بالاضطراب، فيه تيه
وضلال، وفيه هول ورعب، وفيه فزع وحيرة، وفيه أضواء وأصداء.. صيب من السماء هاطل
غزير فيه ظلمات ورعد وبرق.. كلما أضاء لهم مشوا فيه.. وإذا أظلم عليهم قاموا
حائرين لا يدرون أين يذهبون، وهم مفزعون يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر
الموت.
إن الحركة التي تغمر المشهد كله من الصيب الهاطل، إلى
الظلمات والرعد والبرق، إلى الحائرين المفزعين فيه، إلى الخطوات المروعة الوجلة
التي تقف عندما يخيم الظلام.. إن هذه الحركة في المشهد لترسم - عن طريق التأثر
الإيحائي - حركة التيه والاضطراب والقلق والأرجحة التي تعيش فيها نفوس أولئك
المنافقون بين لقائهم للمؤمنين، وعودتهم للشياطين.. بين ما يقولونه لحظة، ثم
ينكصون عنه فجأة.. بين ما يطلبونه من هدى ونور، وما يفيئون إليه من ضلال وظلام..
فهو مشهد حسي يرمز لحالة نفسية؛ ويجسم صورة شعورية[1].
قلت: هو تصوير بارع.. نعم.. ولكن ما تأثير هذا على الأهداف
التي جاء القرآن ليقررها، ويربي النفوس عليها؟
قال: لا يمكن أن تتحقق أي أهداف في الدنيا حتى تصبح صورا
ومشاهد تملأ نفوس أصحابها.
لقد اعتمد القرآن هذا الأسلوب التصويري ليملأ التفوس
بالطهارة، والأرواح بالسمو.