صحبة الله.. فالله لا يحب إلا الطاهرين، ولا يصحبه إلا
الطاهرون، ولذلك لا ينجو عند الله إلا أصحاب القلوب السليمة:{ إِلَّا مَنْ أَتَى
اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(الشعراء:89)، وقد أثنى القرآن على إبراهيم أعظم الثناء،
ففيه:{ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(الصافات:84)
فإذا تطهر القلب نال من الكمال الروحي بحسب سيره..
والقرآن يذكر هذا السير القلبي، ويركز عليه، ويعتبره حقيقة
الإيمان، فالإيمان لا يعبر عنه اللسان بل يعبر عنه القلب، ولهذا يقول القرآن في
أوصاف المؤمنين:{ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ
أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي
قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ}(المجادلة:22)
هذه الآية تتحدث عن هذا السير القلبي.. فالولاء القلبي
لله، والرضى التام عن الله، هو الذي يجعل المؤمن من حزب الله المفلحين.
ونتيجة لكون السير الروحي لله هو الأساس في علاقة المؤمن
بالله، فالله ينفي الإيمان عمن تمسك بالطقوس، ولم تكن تلك الطقوس نابعة من القلب،
اسمع:{ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا
وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي
قُلُوبِكُمْ}(الحجرات: 14)
فالإيمان لا يصح.. ولا يكمل.. والسير إلى الله لا يبدأ إلا
إذا انطلق من القلب.. القلب التي هي روح الإنسان الواعية.
فالقلب ـ لا الجسد ـ هو الذي يؤمن، وهو الذي يكفر، ولذلك
يركز القرآن كثيرا على القلب، فيربط كل سلوك به:
فالكافر إنما يكفر لأنه ختم على قلبه، وطبع عليه، فصار لا
يعي الحقائق التي يشرق بها الوجود:{ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ
وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ