رآني مستغرقا فيما يقول، فسألني فجأة: هل قرأت المعلقات..
وما روي من شعر جاهلي؟
قلت: أجل.. هو شعر جميل.. ومن قومي من يزعم أن محمدا
استلهم من ذلك الشعر.
قال: دعهم يقولون.. فمحمد عندهم كلأ مباح، لا يعرف إلا
السطو على غيره.. فمرة يسطو على كتبنا التي تحوي تواريخ الماضي السحيق، ومرة يسطو
على شعراء عصره، ليستلهم منها المعاني الرقيقة، ومرة يسطو على العلوم التي سجلها
أهل عصرنا ليزين بها كتابه، ويثبت أنه يحوي علوما من علوم الله.
قلت: فما الذي تريد أن أقرأه عليك من هذا الشعر؟
قال: لا أريد أن تقرأ علي من أشعارهم.. وإنما أريد أن
تخبرني بمضامينها.
قلت: هي لا تعدو الأغراض المعروفة من وصف الابل أو الخيل،
أو سير الليل، أو وصف الحرب، أو وصف الروض، أو وصف الخمر، أو الغزل، وغير ذلك مما
اشتملت عليه حياتهم وبيئتهم..
قال: أترى للبيئة التي عاشوها تأثيرا في نبوغهم؟
قلت: أجل.. ولذلك ضرب المثل بامرئ القيس إذا ركب، والنابغة
إذا رهب، وبزهير إذا رغب.
ولهذا أيضا نجد من الشعراء من يجود في المدح دون الهجو،
ومنهم من يبرز في الهجو دون المدح، ومنهم من يسبق في التقريظ دون التأبين، ومنهم
من يجود في التأبين دون التقريظ، وهكذا..
قال: فلنرجع إلى بيئة القرآن.. أليست هي بيئتهم؟
قلت: أجل.. هي بيئتهم بخيلها وإبلها وصحرائها وأصناف
معايشها.