وكما حصل له عند عزمه على العزلة من حيرته بين تلبية دواعي إيمانه أو دواعي
نفسه حتى اعتقل لسانه عن التدريس، حصل له –هنا – عند عزمه على العودة بين دواعي إصلاح
الخلق، وهو متعين محتوم، وبين بقائه على عزلته.
يقول – مخاطبا نفسه، معبرا عن حاله
في تلك الفترة ـ :(فما تغنيك الخلوة والعزلة، وقد عم الداء، ومرض الأدباء، وأشرف الخلق
على الهلاك) [2].
ولكنه يعود، فيقول لنفسه: (متى تشتغل أنت بكشف هذه الغمة، ومصادفة هذه الظلمة،
والزمان زمان فترة، والدور دور الباطل؟ ولو اشتغلت بدعوة الخلق عن طرقهم إلى الحق لعاداك
أهل الزمان بأجمعهم، وأنى تقاومهم؟ فكيف تعايشهم؟) [3]
ولكن خاطر الإيمان يجيبه، فيقول:(لا ينبغي أن يكون باعثك على ملازمة العزلة
الكسل والإستراحة وطلب عز الننفس وصونها عن أذى الخلق، والله تعالى يقول: ﴿
ألم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
(العنكبوت: 1، 2)[4]
هذا هو المحرك الأصلي للغزالي لترك عزلته، وقد ذكره عبد الغافر الفارسي في
ترجمته له في قوله: (ثم سألناه عن كيفية رغبته في الخروج من بيته، والرجوع إلى ما دعي
إليه من أمر نيسابور)، فقال – معتذرا عنه ـ : (ما كنت أجوز في ديني
أن أقف عن الدعوة ومنفعة الطالبين بالإفادة، وقد حق علي أن أبوح بالحق، وأنطق به، وأدعو
إليه)[5]