نام کتاب : التنويريون والصراع مع المقدسات نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 127
يُؤَاخِذُ
اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ
يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ
سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } [النحل: 61]، وقوله: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ
النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ
يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } [فاطر: 45]، ويتصورون أن العذاب سيؤخر إلى الآخرة،
لأن الله تعالى لا يؤاخذ الظالمين قبل ذلك.
لكنهم لو قرأوا
مع تلك الآيات آيات أخرى كثيرة جدا، تذكر تعجيل الله تعالى العقوبة لعباده في
الدنيا قبل الآخرة، لفهموا تلك الآيات الكريمة فهما صحيحا؛ فهي لا تنفي العذاب
المطلق، وإنما تنفي العذاب الأكبر الحقيقي، والذي لا يكون إلا في الآخرة، أما ما
عداه؛ فهو هين جدا مقارنة بعذاب الآخرة، ولكن لا يعني أنه ليس عذابا، كما قال
تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ
ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الطور:
47]، والتي فسرها ابن عباسٍ بقوله: (عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة)[1]
ومن الأمثلة
التي ذكرها القرآن الكريم لذلك قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً
كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ
بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } [النحل: 112، 113]، فقد
ذكر الله تعالى في هاتين الآيتين الكريمتين، كيف أنه عجل العذاب لأهل هذه القرية،
ولم يؤجله لهم، وهو لا يتنافى مع الآيات السابقة، وإنما يفهم منه أن العذاب نوعان:
عذاب حقيقي كامل، وهو المؤجل إلى الآخرة، وبعد الحساب، وهناك عذاب ناقص وقاصر
بالنسبة لعذاب