لم يحدث في
التاريخ انقلاب في الموازين مثلما حدث في عصرنا هذا، وبين المسلمين خصوصا، وبين من
يزعمون أنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، والذين يعتبرون أنفسهم قد خصوا
وحدهم دون من عداهم بمعرفة الحقائق وسلوك سبيلها.
فقد صار كل
الظلمة والعتاة والطغاة والمستبدين في عيونهم عدولا وصالحين ومتقين.. وأقيمت لأجل
الدفاع عنهم المحافل، ونظمت المؤتمرات.. بل حتى المساجد ومنبر رسول الله a صار مرقاة لكل من ينافح عمن كان همهم تشويه الدين
وتحويله من دين الله إلى دين البشر.. ومن دين العدالة إلى دين الطغيان.. ومن دين
الرحمة إلى دين القسوة.
وهكذا صرنا
نرى الكتب التي تدافع عن الحجاج، وتعتبره نموذجا مثاليا للقائد المسلم الذي استطاع
أن يوحد الدولة، ويقضي على كل بؤر الفتن فيها..
وصرنا نرى من
يدافع عن المتوكل ذلك الطاغية المستبد الذي مارس كل وسائل التعذيب للمخالفين
والمعارضين، بل صار مثالا للخليفة السني العادل.. بل صار يلقب بناصر السنة وقامع
البدعة.
وهكذا صرنا
نرى من يدافع عن يزيد، بل يترضى عنه، ويتكلف تأويل النصوص ليثبت أن رسول الله a نفسه استغفر له، وأخبر أنه من أهل الجنة..
وصرنا نرى من
يدافع عن الطلقاء، ويسميهم صحابة أجلاء، بل يعتبر كل ما ورد في فضل الصحابة
والسابقين منهم مرتبطا بهم.
في هذا الوقت
الذي قامت فيه سوق الطلقاء والظلمة والمستبدين نرى كساد أسواق السابقين الذي ضحوا
بأنفسهم في سبيل قيام الإسلام.. فلا أحد يذكر بلالا، ولا