فجأة مررنا على مسجد يحتضن رفاة ولي من أولياء الله – كما يعتقد أهل القرية
– وكان الناس متجمعين داخله، وخارجه ينشدون القصائد بفرح وسرور..
سأل الشيخ عن سر هذا التجمع، وسر تلك الأناشيد، فانبرى إمام القرية، وقال
له: هذه تجمعات لبعض الصوفية الذين يفدون من كل البلاد، وفي مناسبات مختلفة إلى
هذه القرية، لإحياء ذكرى شيخهم، وهم يتذاكرون فيها، وينشدون القصائد، ويكتسبون أفرادا
جددا.. بالإضافة إلى ما يقام في تلك المناسبات من ولائم، وهي كلها مما ترغب فيه
النفس، ويميل إليه الطبع، وهي بذلك تعطي شحنات إضافية للسالك الصوفي يتزود منها
مدة طويلة.
وقال آخر: ويصحب ذلك بعض الرخاء الاقتصادي الذي تعيشه القرية.. فهي كما
تراها منعزلة.. ليس فيها موارد رزق تكفي سكانها.. ولذلك تساهم هذه الموالد في
تنشيط الحركة الاقتصادية.. وربط القرية بمحيطها الاجتماعي.
قال آخر: بالإضافة إلى هذا، فإن لهذه الموالد كثيرا من الآثار الاجتماعية،
فهي تربط المجتمع بعضه ببعض، بل تربط المجتمع بتاريخه وثقافته والرجال الذين يميل
إلى تقديسهم.. وهي تساهم في تشكيل الهوية، والحفاظ عليها.
أراد آخر أن يتحدث.. فانتهره الشيخ بقوة، وراح يخطب بحماسة، وكأنه ليس ضيفا،
ولا في بلدة أخرى لها أعرافها وتقاليدها..
وقف في ذلك المحل يقول: أنتم فقط تهتمون بالجانب الاقتصادي والاجتماعي
متغافلين عما يحدث فيها.
قال رجل منا: وما يحدث فيها؟
قال الشيخ: ألم تروا إلى ما يركب فيها من فواحش ومحرمات؛ وما يهتك فيها من
أعراض وحرمات؟