واستعرضوا الحوادث والوقائع التي تكلم عنها القرآن الكريم. وحينما لاحظوا
الفراغات التي تركها هذا الكتاب العزيز، حاولوا أن يملؤوا هذه الفراغات بالروايات
والأحاديث، أو بما هو مأثور عن أديان سابقة، أو بالأساطير والخرافات، فتكونت سجلات
ذات طابع تاريخي لتنظيم هذه المادة القرآنية)
هل رأيتم كيف يتجرأ على تلك الثروة العظيمة من الروايات التي حكاها لنا
سلفنا الصالح عن الأنبياء.. والتي لولاهم ما عرفنا كل تلك التفاصيل؟.. بل لولاهم
ما عرفنا الأنبياء أصلا.. هل رأيتم كيف يصفها بالخرافة والأسطورة؟
أخذ أحدهم الوثيقة منه، وراح ينظر فيها مليا، ثم قال والدهشة بادية على
وجهه: واويلاه.. انظروا ماذا يقول المجرم.. إنه يريد أن ينفي القضاء والقدر بسنن
التاريخ.. اسمعوا ماذا يقول.. إنه يقول:(هذا المفهوم القرآنيّ يعتبر فتحاً عظيماً
للقرآن الكريم، لأنّنا في حدود ما نعلم، القرآن أوّل كتابٍ عرفه الإنسان أكّد على
هذا المفهوم، وكشف عنه وأصرّ عليه، وقاوم بكلّ ما لديه من وسائل الإقناع والتفهيم.
الإنسان الاعتياديّ كان يفسّر أحداث التاريخ بوصفها كومةً متراكمةً من الأحداث،
يفسّرها على أساس الصدفة تارةً، وتارةً أخرى على أساس القضاء والقدر والإستسلام
لأمر الله سبحانه وتعالى. القرآن الكريم قاوم هذه النظرة العفويّة، وقاوم هذه
النظرة الإستسلامية، ونبّه العقل البشريّ إلى أنّ هذه الساحة لها سننٌ، ولها
قوانين، وأنّه لكي تستطيع أن تكون إنساناً فاعلاً مؤثّر، لا بدّ لك أن تكتشف هذه
السنن، لا بدّ لك أن تتعرّف إلى هذه القوانين، لكي تستطيع أن تتحكّم فيها، وإلا
تحكّمت هي فيك وأنت مغمض العينين.افتح عينيك على هذه القوانين، افتح عينيك على هذه
السنن، لكي تكون أنت المتحكّم، لا لكي تكون هذه السنن هي المتحكّمة فيك..)
قال آخر: أعطني الوثيقة لأرى.. أظن أنه لا ينبغي أن نكتفي بمنعه من تقديم