وقد ذكرنا
سابقا الكثير من النصوص عن السلف في تكفير من ينفي الجهة أو يؤول الصفات أو يقول
بخلق القرآن، وقصدهم من ذلك كله المعتزلة، لأن الأشاعرة والماتريدية لم يظهرا بعد،
أوكان ظهورهما في ذلك الحين محتشما، بحيث لم يشكلا مدارس خاصة.
ولم يكتفوا
بهذا، بل أضافوا إليه استخدام السلطة السياسية في قهر المعتزلة، والتنكيل بهم، حتى
لو كانوا من أعلام الأمة الأجلاء، بل حتى لو كان الاعتزال مجرد تهمة لم تثبت عنهم.
ولذلك فإن ما
فعلوه بالمعتزلة، وبغيرهم ممن يوافقهم في بعض الأفكار والمواقف لا يساوي شيئا أمام
تلك الفتنة البسيطة التي قام بها المأمون، والتي لم يصب فيها الإمام أحمد مكروه
كبير مقارنة بالمصائب والويلات التي ألحقوها بالمعتزلة.
ونحن هنا لا
نقر المأمون، ولا غيره ممن يصادرون الأفكار، ولكنا في نفس الوقت لا نقبل أن يعتبر
المأمون طاغية ومستبدا وظالما وكافرا، في نفس الوقت الذي يعتبر فيه المتوكل ـ وهو
الذي وقف مع السلفية ضد المعتزلة ـ عادلا وطيبا وصالحا، بل وناصرا للسنة كما يزعم
السلفية.
وبما أن
جرائم المأمون في حق الفكر معروفة عند الجميع، فإني أحب هنا من باب العدالة،
والشهادة لله، أن أبين ما ذكره المحققون من المؤرخين في حق المتوكل الذي يعتبرونه
من خلفاء الأمة العدول، بل هناك من يعتبره من الخلفاء الاثني عشر الذين أثنى عليهم
رسول الله k.
فقد ذكر ابن
الجوزي في كتاب (مناقب الإمام أحمد) أنّ المتوكِّل (في سنة