وحذَّروا الناس من مجالسته. قال
العارف بالله أبو بكر محمد بناني: (فاحذر يا أخي كلَّ الحذر من الجلوس مع من يقول:
ما ثَمَّ إِلا الله، ويسترسل مع الهوى، فإِن ذلك هو الزندقة المحضة، إِذ العارف
المحقق إِذا صح قدمه في الشريعة، ورسخ في الحقيقة، وتَفَوَّهَ بقوله: ما ثَمَّ
إِلا الله، لم يكن قصدهُ من هذه العبارة إِسقاطَ الشرائع وإِهمال التكاليف، حاش
لله أن يكون هذا قصده)[1])[2]
أما وحدة الوجود الثانية، والتي
يقصدها الصوفية بتعبيراتهم المختلفة، فهي (وحدة الوجود القديم الأزلي، وهو الحق
سبحانه، فهو لاشك واحد منزه عن التعدد. ولم يقصدوا بكلامهم الوجود العرضي المتعدد.
وهو الكون الحادث، نظراً لأن وجوده مجازي، وفي أصله عَدَمِيٍّ لا يضر ولا ينفع.
فالكون معدوم في نفسه، هالك فانٍ في كل لحظة. قال تعالى: ﴿كُلُّ شَيءٍ هالِكٌ إلا وَجهَهُ﴾ [القصص: 88]. وإِنما يُظهره الإِيجاد،
ويُثْبتُه الإِمداد. الكائنات ثابتة بإِثباته، وممحوةٌ بأَحدِّيَة ذاته، وإِنما
يُمْسكه سر القيومية فيه)[3]
وهم يستشهدون لهذا المعنى
بالمعنى الإشاري المبثوث في ثنايا قوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: 88]، فيفهمون منها
أن كل ممكن هو باعتبار ذاته هالك، أو هو عدم محض ونفي صرف، وإنما له الوجود من جهة
ربه، فهو هالك باعتبار ذاته، موجود بوجه ربه، أي أن وجوده قاصر على جهة ربه.
وربما يفيد سياق الآية هذا
المعنى، فهو قد ورد في أثناء الدعوة إلى توحيد الله في الدعاء والعبادة، ليقول من
جهة لا تتخذ أي ند تدعوه من دون الله فسيأتي اليوم الذي
[1] مدارج السلوك إِلى ملك الملوك
للعارف الكبير محمد بناني المتوفى 1284هـ.