ومع وضوح هذا الكلام وجماله
وروحانيته إلا أن السلفية لا يستفيدون منه إلا شيئا واحدا هو كفر صاحبه.. أما لو
ذكر الغزالي بأن الله ليس سوى جرم من الأجرام، أو جسم من الأجسام، وأن له بيتا في
الجنة، وأنه يجلس ويستلقي ويجري ويهرول، فإنه حينها يصير موحدا ومسلما.
هذا مجرد مثال عن مواقف
السلفية من كلام أبي حامد الغزالي في التوحيد السني التنزيهي، لا التوحيد السلفي
الوثني.
ونحب أن نسوق هنا للدلالة على
معنى وحدة الوجود عند الصوفية، والتي كفرهم ابن تيمية والسلفية جميعا بسببها، كلام
عالمين جليلين نالا حظهما من الاهتمام من لدن الصوفية بمدارسها المختلفة، كما نالا
حظهما من التكفير من المدارس السلفية المختلفة.
أما أولهما، فهو الشيخ عبد
القادر عيسى، وهو شيخ طريقة له مريدوه، وشهادته لها أهميتها الكبرى، باعتبار
علاقته العملية بالتصوف.. وأما الثاني فهو الشيخ عبد الحليم محمود، وهو باحث
وأكاديمي ومطلع على الفلسفات المختلفة، بالإضافة لممارسته للتصوف.
أما الأول، وهو الشيخ عبد
القادر عيسى فقد عقد فصلا في كتابه العظيم [حقائق عن التصوف] لرد هذه الشبهة عن
الصوفية قدم له بقوله: (اختلف علماء النظر في موقفهم من العارفين المحققين القائلين بوحدة
الوجود، فمنهم من تسرع باتهامهم بالكفر والضلال، وفهم كلامهم على غير المراد.
ومنهم من لم يتورط بالتهجم عليهم، فتثبت في الأمر ورجع إِليهم ليعرف مرادهم. لأن
هؤلاء العارفين مع توسعهم في هذه المسألة لم يبحثوا فيها بحثاً يزيل إِشكال علماء
النظر، لأنهم تكلموا في ذلك ودوَّنوا لأنفسهم وتلاميذهم لا لمن لم يشهد تلك الوحدة
من غيرهم، لذلك احتاج الأمر للإِيضاح لتطمئن