بعضها السماوات والأرض، أما
جملتها فأكثر سعة من السماوات والأرض؛ لأن السماوات والأرض عبارة عن عالم الملك
والشهادة.. وأما عالم الملكوت، وهي الأسرار الغائبة عن مشاهدة الأبصار، المخصوصة
بإدراك البصائر، فلا نهاية له. نعم، الذي يلوح للقلب منه مقدار متناهٍ.. وجملة
عالم الملك والملكوت إذا أخذ دفعة واحدة تسمى (الحضرة الربوبية)؛ لأن الحضرة
الربوبية محيطة بكل الموجودات، إذ ليس في الوجود شيء سوى الله تعالى وأفعاله؟
ومملكتُه وعبيدُه من أفعاله)[1]
وعلق على ذلك بتوضيح مراد
الغزالي الحقيقي على حسب ما يفهم العقل السلفي، فقال: (نحن الآن نعرف مما سبق ومما
سيأتي من نصوص، أنه وأنهم يعنون بقوله وقولهم: (أفعال الله) أي: حركاته (سبحانه
عما يصفون)[2]
وهكذا ينقل هذه الدرر الجميلة
من كلام الغزالي عن حقيقة تنزيه الصوفية المطلق لله، في قوله: (والثالثة: أن يشاهد
ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق، وهو مقام المقربين، وذلك بأن يرى أشياء كثيرة،
ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار. والرابعة: أن لا يرى في الوجود إلا
واحداً، وهي مشاهدة الصديقين، وتسمِّيه الصوفية (الفناء في التوحيد)..والثالث:
موحد، بمعنى أنه لم يشاهد إلا فاعلًا واحداً إذا انكشف له الحق كما هو عليه، ولا
يرى فاعلًا بالحقيقة إلا واحداً وقد انكشفت له الحقيقة كما هي عليه، لا أنه كلَّف
قلبه أن يعقد على مفهوم لفظ الحقيقة، فإن تلك رتبة العوام والمتكلمين.. والرابع:
موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد، فلا يرى الكل من حيث إنه كثير، بل من
حيث إنه واحد. وهذه هي الغاية القصوى في التوحيد)[3]