أن السكوت أسلم، وترك الخوض
في التأويل إلا عند الحاجة أحزم، وما مثالهم في ذلك إلا مثل الطبيب الحاذق الذي
يداوي كلّ داء من الأدواء بالدواء الموافق، فإذا تحقق غلبة البرودة على المريض
داواه بالأدوية الحارّة، ويعالجه بالأدوية الباردة عند تيقنه منه بغلبة الحرارة.. وما
مثال المتأوّل بالدليل الواضح إلا مثال الرجل السابح، فإنه لا يحتاج إلى السباحة
ما دام في البر، فإن اتفق له في بعض الأحايين ركوب البحر، وعاين هوله عند ارتجاجه
وشاهد منه تلاطم أمواجه، وعصفت به الريح حتى انكسر الفُلك، وأحاط به إن لم يستعمل
السباحة الهُلك، فحينئذ يسبح بجهده طلباً للنجاة، ولا يلحقه فيها تقصير حبّاً
للحياة، فكذلك الموحّد ما دام سالكاً محجّة التنزيه، آمناً في عقده من ركوب لجّة
التشبيه، فهو غير محتاج إلى الخوض في التأويل لسلامة عقيدته من التشبيه والأباطيل،
فأما إذا تكدّر صفاء عقده بكدورة التكييف والتمثيل، فلا بدّ من تصفية قلبه من
الكدر بمصفاة التأويل، وترويق ذهنه براووق الدليل، لتسلم عقيدته من التشبيه
والتعطيل)[1]
وكلا المنهجين ـ كما رأينا في
الفصل السابق مرفوض لدى السلفية ـ بل يكفر القائل به، وسأسوق هنا بعض أقوال أئمتهم
التي يرجعون إليها من مصدر مصادرهم المعتبرة، وهو كتاب السنة لعبد الله بن أحمد،
لنطبق من خلاله تكفيرات السلفية على أعلام الأمة ومدارسها المختلفة.
فمن تلك النصوص الواضحة في
التكفير، والتي لا تحتاج إلى أي شغب أو جدل، ما رواه عبد الله بن أحمد عن خارجة
أنه قال: (الجهمية كفار بلغوا نساءهم أنهن طوالق، وأنهن لا يحللن لأزواجهن لا
تعودوا مرضاهم ولا تشهدوا جنائزهم، ثم تلا: ﴿طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا
مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ