والإشارة القرآنية في مسارعة موسى عليه السلام إلى التسبيح والتنزيه بعد
الإفاقة[1] هو علمه أن الرؤية لا تنفك
عن الجهة والجسمية وغيرهما من النقائص،ولهذا نزه الله سبحانه وتعالى عنها.
بل إن الله تعالى يذكر في القرآن الكريم غضبه الشديد على من طلب الرؤية
الحسية، فقال: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى
اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾
[البقرة: 55]
وهكذا نرى القرآن الكريم يعيب طلب الرؤية مطلقا، سواء كان ذلك من أنبيائه
أو من أعدائه، كما قال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ
تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ
مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ
بِظُلْمِهِمْ﴾ [النساء: 153]، وقال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا
يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى
رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾
[الفرقان: 21]
وبذلك تصبح هذه الآيات محكمة يرد إليه كل ما تشابه من النصوص، وخاصة ذلك
النص القرآني الذي يستدل به السلفية، مع أنهم يقولون بتأويله، وهو قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ
[1] بناء على القول بتنزيه الأنبياء عليهم السلام وعصمتهم المطلقة،
فإني أميل في هذه المسألة إلى ما ذكره الزمخشري في قوله عن موسى عليه السلام: (ما
كان طلب الرؤية إلا ليبكت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضلالا. وتبرأ من فعلهم،
وليلقمهم الحجر، وذلك أنهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبههم على
الحق، فلجوا وتمادوا في لجاجهم وقالوا: لا بدَّ، ولن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة،
فأراد أن يسمعوا النص من عند الله باستحالة ذلك، وهو قوله (لَنْ تَرانِي) ليتيقنوا
وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة)، تفسير الزمخشري (2/ 153)
نام کتاب : السلفية والوثنية المقدسة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 196