نام کتاب : السلفية والوثنية المقدسة نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 195
الصورة .. والرؤية
يرى أصحاب الرؤية التنزيهية لله ـ سواء كانوا من أهل البرهان أو من أهل
العرفان ـ أن الله تعالى لعدم انحصاره في عوالم الحدود والقيود والألوان والأشكال
والجواهر والأعراض لا يمكن أن تكون له صورة من الصور.. لأن الصورة سجن وقيد
وحدود.. فهي تحصر المسجون فيها وتقيده بقيود الألوان والأشكال والأجرام.
ولهذا فإن الرؤية التي يتحدث عنها أهل الله وأولياؤه، والتي أشارت إليها
بعض النصوص المقدسة رؤية متناسبة مع جلال الله وكماله وعدم انحصاره.. وهي لذلك
يستحيل أن تكون رؤية حسية، لأن الحس لا يدرك إلا الحس، والعين لا ترى إلا ما يمكن
أن تحتويه.. والله أعظم من أن تحتويه حدقة، أو يحيط بحدوده بصر، كما قال تعالى: ﴿لَا
تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ
الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]، فهي آية تقرر الحقيقة العظيمة، وهي أن الله
تعالى أعظم من أن يدرك بأي مدرك من المدارك الحسية والمعنوية، لأن الإدراك ـ كما
قال علماء اللغة ـ (هو لحوق الشئ بالشئ ووصوله إليه)[1]،كما
قال تعالى: ﴿ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ [النمل:
66] أي أن علمهم أدركهم في الآخرة حين لم ينفعهم.
ولهذا قال تعالى قبل الآية الكريمة التي قررت استحالة إدراك الله تعالى: ﴿ذَلِكُمُ
اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الأنعام: 102]، فكما أنه لا يمكن
إدراك كل شيء.. وهو مخلوق محصور محدود.. فكيف يمكن إدراك غير المحدود والمحصور.
ولهذا أخبر الله تعالى موسى عليه السلام أنه يستحيل أن يراه.. وقد ذكر
ذلك بصيغة النفي المؤبد، وعلق إمكانية الرؤية على شيء مستحيل لم يتحقق، فدل على أن
رؤية الله التي