ولم يتوقف الأمر عند الطائف، فقد كان (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) لأجل أداء رسالة ربه مضطرا لمخالطة كل أصناف الناس بطباعهم
المختلفة، وخاصة المستضعفين منهم، والذين أمره الله تعالى بالصبر على مخالطتهم،
قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ
بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ
تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ
عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ (الكهف:28)
وقد قام رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) بما اقتضته هذه الأوامر من واجبات خير قيام، فكان ينهض لكل
مسكين، ويقوم لكل محتاج.. ونحن نعلم كثرة المساكين في ذلك الوقت، وكثرة الحاجات، وقد
قال العباس لرسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) بعد أن رأى الجهد الذي يصيبه جراء ذلك: يا رسول الله إني
أراهم قد آذوك، وآذاك غبارهم، فلو اتخذت عريشا تكلمهم فيه، فقال رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم):(لا أزال بين أظهرهم
يطئون عقبى وينازعوني ثوبي، ويؤذيني غبارهم، حتى يكون الله هو الذي يرحمني منهم)[2]
وكان فوق ذلك يتحمل ضنك الحياة، والبؤس الشديد حتى أنه كان يعصب الحجر
على بطنه من الجوع، وكان تمر الأشهر ولا يوقد في بيته نار.. ومع ذلك لا نسمع منه
إلا حمد الله، ولا نرى منه إلا ما يرضي الله.
هذه قطرة من بحر قوة رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) كما يدل عليها العقل.. وكما يدل عليها القرآن الكريم والسنة
النبوية.. لكن السنة المذهبية تنفخ سمومها على هذه الخصلة العظيمة لتنحرف بها
انحرافا خطيرا يشوه رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) أعظم تشويه.
وسأنقل هنا نماذج عن ذلك التشويه الخطير، والذي ينطلق من تفسير معنى قوة رسول