وهكذا نرى من خلال هذه الأحاديث وغيرها قيمة الحياء في الدين، وعلاقته
بالإيمان، وعلاقته بكمال الشخصية..
لكنا عندما نعود للقلوب المريضة التي أتيح لها أن تسرب بعض سمومها إلى تراثنا
الحديثي نجدها ترسم صورة مختلفة تماما عن رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) تتناقض مع هذا الخلق العظيم.. فهي تصوره
بصورة الفاحش المتفحش الذي يمارس من السلوكات ما يستحيي منه أبسط الناس وأحقرهم
وأبعدهم عن ذلك الكمال الذي آتاه الله نبيه (صلیاللهعلیهوآلهوسلم).
ومن الأمثلة على ذلك الحديث المروي في مناقب عثمان بن عفان.. والذي أراد
واضعه من خلاله أن يحبب الناس في عثمان باعتباره من الشخصيات التي وقع حولها
التنازع بين مذاهب الأمة وطوائفها، لكنه نسي أن الذي سيضحي به ليثبت به تلك
المنقبة هو رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) الذي هو أستاذ الأساتذة ومربي الأمة جميعا، بل هو رسول
الرسل، وأقرب المقربين إلى الله.
ونص الحديث هو ما رواه مسلم وغيره عن عائشة، قالت: كان رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم) مضطجعا في بيتي، كاشفا
عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم
استأذن عمر، فأذن له، وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله (صلیاللهعلیهوآلهوسلم)، وسوى ثيابه - قال
محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد - فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر
فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست
وسويت ثيابك فقال: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة)[2]