فَمن كان مفاخراً؛ فليفاخِرْ بهم، ومن كان مكاثراً؛
فليكاثرْ بهم، فدينهم هو الدين، وعلمهم هو العلم، مكّن الله لهم في الأرض ففتحوا
الدنيا وحكموا العالم في مدةٍ لا يبلغ فيها الرضيع أن يفطم.
قال الذهبي: (واستولى المسلمون في ثلاثة أعوام على كرسي
مملكة كسرى وعلى كرسي مملكة قيصر، وعلى أمَّي بلادهما، وغنم المسلمون غنائم لم
يسمع بمثلها قط من الذهب والحرير والرقيق، فسبحان الله العظيم الفتاح)[2]
قام رجل من أصحابه، وقال: لقد ظهر في هذه الأزمنة التي
أتت بكل عجيب قوم بهرتهم زخارف بني الأصفر وبلبلت أفكارهم وفهومهم، فشعروا -
لبعدهم عن الحق - بنقص إزاء ما يرونه.. فهبوا إلى التاريخ يقلبون أوراقه لعلهم
يجدون فيه ملجأً أو مغاراتٍ أو مدَّخلاً يسترون فيه هذا النقص، فطووا ذكر القرون
المفضلة لأنهم يعلمون أنه ليس فيها لشفرتهم محزّا، ولا لبغيتهم طائلاً، وأمعنوا
النظر في دويلات البدع والضلالة، فأخرجوا منها زبالات التاريخ وحثالات المسلمين
ممن تفلسف وتزندق وألحد في دين الله، فلمَّعوا وجوههم الكاحلة، ونفضوا عنها
الدَرَن والنتن.. فبارزوا بهم الكفار، فكانوا بحقٍ كعبدٍ صرعه أَمَةٌ، وكالمستجير
من الرمضاء بالنار.