فهذه الآيات الكريمة
وغيرها كثير جعلت النظام السائد في الكون ـ الّذي يوقف الإنسان على الانسجام
والترابط والنظام ـ دليلاً على وجود منظم لهذا الكون، وليست (الآية) في هذه الآيات
إلاّ بمعنى (العلامة) فهي علامات على دخالة الشعور والعقل في ابتداع هذا النظام.
ثالثاً: أنّ هذه
الفرضية تقوم على أساس كون البشر كانوا يعتقدون بقانون العلّية، وهذا يعني أنّ
الإنسان البدائي لمّا كان يجهل العلل الواقعية للظواهر الطبيعية آل به هذا
الاعتقاد إلى اختراع فكرة (خالق الكون) وإحلالها محل العلل الطبيعية الّتي كان
يجهلها، حتّى يرضي وجدانه الّذي يلحُّ عليه بنسبة كلّ ظاهرة إلى علّة، فلوكان
البشر البدائي مدركاً ـ بهذه المنزلة ـ لقانون العلّية فلِمَ لا يكون اعتقاده
بالله، ناشئاً عن إذعانه بأنّ النظام الرائع السائد في الكون الّذي لا ينفك عن
تأثير بعض أجزائه في بعض، وانسجام بعضه مع بعض، قد وجد بفعل قوّة عالمة، وعارفة
بالسنن والقوانين الكونية اللازمة.
رابعا ـ أنهم لو
نظروا في المصادر المقدسة للأديان، وخاصة لما لم يحرف منها، فسيجدونها تدعو إلى
البحث للتعرف على حقائق الأشياء، ويروا أنّ القرآن الكريم كيف يحارب الجهل أشدّ
المحاربة، ويمنع أتباعه من الاعتقاد بشيء بدون علم، كما قال تعالى: ﴿وَلَا
تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ
كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]
بل إنه يضيف إلى
ذلك، فيستدلّ على وجوده سبحانه بالنظام السائد في الطبيعة والكون، ويطلب من
المؤمنين النظر في الطبيعة واستجلاء أسرارها وفهم قوانينها إذ يقول:
نام کتاب : كيف تناظر ملحدا..؟ نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 445